2009/02/10

صـوت الأنــين ...

صــوت الأنــين ...

بَــعد يومـِ طـويـل شــاقِ ... خرجتُ مِـن منـزلي منذ السابعة صباحاً ولمـ أعد سُوى الثامنـة ... صليتُ فرضي ورتبتُ بَعـض أوراقي... وقــررتُ أن أنـام .. فقد مَـر الوقتُ سريعاً .. وها هي الساعة تدق الثانية عشر صباحاً...

وضعــتُ بجواي المنبـه كـي يوقظنـي للقيـامِ والفجـر ...

وضعــتُ رأسي علي الوسـادة ... أُحـاول أن أنـامـ ... مُتعـبةُ بشدةِ . ولكنـي لا أستطيع النـوم...

قَطــع هذا الصمــتُ في أرجـاءِ المــنزل صوت أنيـن وبكـاء ...

""الجميع نِيـامـ... تُرى من أين أتى هذا الصوت.؟"" سؤال راودنـي .... "" يبـدو أننـي أتَوهم أو أحلم مِن شِدة التعـب ..."" ... فلأكمـل نومـي .. أو لنقـل مُحاولات نومـي ...

عَـاد الصوتُ مرة آخرى ... شئ ما جعلنـي أقرر النهـوض رغم برودة الجو الشديدة .. فها نحن في منتصف شهر يناير ... أوشك أن أصابَ بالتجمد ... لكــنني نَهــضت ...

سرتُ خلف هذا الصـوت .. صوت أنــين طفل صغـير ...

"" أجـل ..إنه قادمـ من هذه الغرفة .. غرفة اخوتي الصغـار... "" هكذا صرختُ من الأعمـاقِ بصمتِ..

دخلتُ الغرفة بهدوء .. وجدت قريبي الصغير الذي لم يتجاوز بعدُ السابعة يبكـي ... "" كيف لي أن أنسى أنه سيبيت لدينا الليلة من اخوتي ..؟ يبدو أني مازلتُ مُتعبـة .."" .....

اقتـربتُ مِــنه ... وضعت يدي عليه ... قائــلة ::""صغــيري .. ماذا بكِ ..؟؟ ماذا يبكيك ..؟؟""..

نَظــرتُ إلى عينـاه الدامعتــان ... قال لي ::"" خالتو .. أنا عايز بابا..."" ..

يبدو أنني سـأكون أمام ليلة مختلفة ... فوالده قد اعتقـل من عدة أيام .. بتهمـة مُضحكة للغاية .. تهمة حب الأوطـان ..والانتمـاء للمحظـورة ... وقلب النظام العامـ ... الخ ..

قطع هذه الثواني من الصمت والتفكـير .. صوت الصغير وهو يكمل حديثه .."" اليهود خدوا بابا يا خالتو.""

رددتُ بتلقائية ..""اليهــود ؟؟!!..""

- ""ايوه .. اليهود كسروا باب شقتنا واحنا نائمين ... وكسروا واخذوا كل حاجة ... وكان معاهم مسدسات .. واخدوا بابا ومشوا ... "" .... قالَ الكلمـات وقد بـدأ في الهدوء ... كي يوضح لـي ما حدث..

قلتُ له بصـوت يكـاد يُسمـع ... "" إنهم صغيري أقسى من اليـهود بكــثير ..""...

سألته... "" هل تعرف السبب ..؟؟"" ... رد ببراءة الصغـار .."" لأن بابا طيب وبيحب الناس وبيعمل الخير لهم ..واليهود مش بيحبوا

الناس .."" ... صمت لحظات ثم أكمـل .."" خالتو .. بابا كان وعدني إنه هيلعب معايا وانه هيفسحني كثير في الاجازة ... ""

كُــنت أسمتع لكــلمـات الصغير بانصـاتِ شديد ... كــأن كَــلمـاته سهاماً كــانت تخــترق قــلبي ... فتـؤلمـه كثيراً..

يبـدو أن هذا الصغـير مِـن اليوم لن يعود صغيراً ..


"" حبيبي الصغير ... سـأخبرك الحكـاية ... حكاية والدك و أمـثـاله .. حكاية هذا الوطنِ من اليداية ..

حـكـاية وطـن ضـاع

وطنُ بِـيعَ بأرخص الاثمان

وطـنُ كـان مَنـارة للبلدان

وطـنُ كان لي.. للجميع أروع مكـان

ترى العـدل مُنتـشراً في كُـل الأرجـاء

تهـب نسـائم الحرية بأمـان

وطـنُ يَحكـمه الإسلام

فيشيع فيه الحبُ والأمان

وطـنُ ينعمـ بالرخـاء

وطـنُ يُعـادي أعداء الإسـلام

جنـده من خـير أجنـاد الأرض

وطـنُ ذُكـر اسمـه في القرآن

كــثيـراً .. ما فخـرنـا أنـا مِـن أهــل تلك الأوطـان ..

حتــى جَـاء هذا اليـوم...

لمـ يعد الحاكم كما كـان

وعـادَ حال الشعب لا يرامـ

كَـان الضباب يُغطـي الأجـواء

مُستقـبل مجـهول بلا أهداف

بَحــثــتُ عن الأمـان

أو عن الحُب والسلام

بحـثتُ عن شعبي أين كان وكيف صار؟!

بَحــثـتُ عن وطـن

كان شِعاره يومـاً الدفاع عن الأسلام

يبـدو أن هذا أضحـى في عـالمـ النسيـان ...""

تنهــدتُ . ونظـرت لعيني الصغير .. وجدته يستمع لي بهدوء ...

عــدتُ لأكمــل الحكــاية ::""

حتــي جــاء اليــوم ..

يَـوم انتظـره جميع العاقلين

خرجت لنـا علي الأرض دعوة

دعوة تحيي الشعب

تعـيد المـجد

تنـشـر إســلامـاً في الأرض

دعــوة الله غايتهـا

والرسول زعيمهـا وقدوتهـا

كـتابُ الله دستورهـا وشـرعتهـا

جــهــادهــا طريقهــا

والمـوت في سبيـل الله أسمـى أمـانيهـا

دعــوة نشــأت بحـبِ الناس لبعضهمـ وربهمـ

بإخــلاص شهــيد لمـ يرحـل فكـره

نشــأت جزءاً من الأُمـة ..

فكـانت كالشـجرة الشـامخـة

شجـرةُ ثابتةُ الجذور

طريقهـا واضحُ المبادئ والأهداف

لم تسعى يومـاً لحكمـ أو سُلطة

فقط .. ارادت أن تصنع فرداً مسلم..

سليم العقيدة..صحيح العبادة..قوي الجسم..

متين الخلق.. مُثقف الفكـر.. قادراً على الكسب..

مُجـاهداً لنفسه.. حريصاً علي وقته..

مُنظمـاً في شئونه..نافعاً لغيره..

فيكـون هذا الفرد نواة لبناء البيت المسلم...

حتـى نكون خلافة إسلامـية..

دعــوةُ أرادت أن تحرر الوطـن من الأعداء..

أن تُصـلح حكـومة ضـاعت وأضـاعت خلفهـا شعباً..

أن تُعــيد الحـق لأصحـابه ..

دعــوةُ جاهدت في فلسطين وفي كل بلد محتلة..

دعـوةُ انتشرت في أكثر من سبعين دولة..

دعــوة آمنــت بشمــوليــة الإســلام ..

آمنت بأنه دينُ ودولة.. عقيدة وعبادة ..

خلق وسلوك ..سياسة واقتصاد ..

ثقافة وقضـاء.. دين ودنيـا ...

دعوة كانت كائزها فهم وإخلاص وعمل

فجهاد .. وتضحية ..وطاعة .. وثقة..

فثبات ..وأخوة ..وتجرد..

دعــوةُ مـا أروعهــا من دعــوة

إنهــا :: دعوة الإخـوان المـسلميــن ..""

تَنـهدتُ مَــرة آخـرى .. ونظــرت لأعرف ردةَ فــعل الصغـير ... يبـدو أنه مازال مُنتبهـاًَ وقد انهى بكاؤه بعد أن جفت عينيه...

اكمـلت ...

""

لكــن الأعــداءَ لمـ يُعجبهمـ الحـال

فحــاربـوا هذه الشجـرة الشامخـة

حـاولوا أن يقتلعـوا جُذورها مِـن الأرضِ

فقـاموا باغتـيال مؤسس هذه الدعوة الإمام البنا(12-2-1994)

ظنـوا أنهمـ هكذا قضوا علي الفكـرة

لكنهم لم يعرفوا أن خلف النار يوجد الرماد

نسـوا أن أبناء تلك الدعوة كثيراً ما تمنوا الشهادة... بل جعلوها اسمى امنيتهم

حــاولوا .. وكانت دائمـاً تفشل المحـاولات..

لجأوا لأساليب الخداع والنفـاق ..

سامومهم على ترك دعوتهم مقابل ان يدعوهم ..

فــرفضوا وظـلوا متمسكين بدعــوتهم..

خَـاف منهم كل متكبر ظالم...

حـاف منهم الجيش الصهيوني ..

وخاف منهم أيضاً الحكام المتصهيينين..

ورغم كُل شئ صَمد المُجاهدون لأن غايتهم الله..

وتَـوالى الحُكام علي بلدي ...

ويَظـل الوضع كمـا هو ...

قامت ثورة... أو لنقل اسموها ثورة ...

ظننـا فيها يومـاً تحريراً ونصرة ..

لكنهــا .. زادت الطين بِـلة..

اعتــقل كُل من فَكـر أن يُفكـر ..

كُـل من آمـن من أسلم ..

مَـن حيا يومـاً حُراً ..

لم يكتـف الظالمون بهذا فقط ..

بل... نَصـبوا المَـشانق لهم..

لكُـل عالم مجاهد .. مُسالم..

ورغم ذلك... صَمـد أبنـاء تِـلك الدعـوة .

بل زاد تمسكهم بهـا وحبهم لها..

وظـلت أرواح هؤلاء الشهـداء تطير وتجول بينهم ..

لتثبتهم ثبـاتاً علي ثباتهم..

ويؤيدهم الله عزوجل بنصرِ من عنده..

ومضـت الأعوام تلو الأعوام ..

ودعوة الرحمن تحـاول أن تعيد النور للأوطـان ..

وجاء الحكـام تلو الحكام ..

لم يختـلفـوا عن بعضهم..

كـان سعي كُل منهم دنياه ..

فبــاعوا آخــرتهم...

في حين ..أن أبناء الدعوة ..

كـانوا يبيعون دنيـاهم وأرواحهم لله..

ليــشتــروا ويسكنوا أعالي الجنان..

حيث ينسون الحُـزن والتَعــب ..

وجـاء صغـيري .. حاكم زاد في الطغـيان..

دعــاه البعضُ مباركُ ..

رغم أنه لم يكـن يقربُ لهذا الاسم بشأن ..

وتـوالـت الأيـام ...

وبــدأت الإخــوان يزيـدون ...

وازداد معـه خَـوف الحُكـام..

وزاذت همـة الإخـوان ...

وجـاهدوا في وجـهه هذا السُلطـان..

لم يهمهم أي شئ في هذا العـالم..

سوى إعلاء راية الرحمن..

واعتقــل الإخــوان ..

وأودعـوا السُجون والمعتقلات..

بلا تهمـة ولا شئ يُدان..

دَخــل الإخــوان الانتخـابات ..

ليعينـوا شَعــباً عـاش دومـاً في النسيـان..

نسى النـور .. نسى الحرية والسلام..

عــشق الليل والظلام وألحـان النيـام ..

وفـاز الإخوان وحصدوا المقـاعد ..

وسَعــد الشعــب ... وفــرح النـاس ..

فهـا هي الشمس قاربت علي الخروج والإشراق..

وأبى الظالمون إلا أن يعيشوا إلا في ظلام..

فزادوا في الظلم والطغيان.

ونسوا أن رب السماوات يسمـع ويرى ..

وظـل الإخوان يزدادون في القـوة ..

فالله عز وجل معهم يؤيدهم ...

يؤيد كُـل دعـوة للحــق.. يحرسهــا ..

ويــأبى الله عزوجـل إلا أن يحيا الظالمون في جهـل وخوف..

ويعيش الأحرار أصحاب الحـق ببسمـة وأمـل وسعادة ..

وظـلت دعـوة الإخـوان يُحـاربها أعوان الشيطـان ...

فهــا هو ذا أباك الآن خَـلف القضبـان..

لكنه رغم كُل شئ حـر شريف ..أبداً ما خـان..

بل إنه أعلى راية الإسلام والقـرآان ...

فلتفــخر يا بنـي أنك ابن أسد من أسود الإخـوان..

ولتمـشي رافعـاً رأسك ..

صـارخاً:: أنا لن أرضى بالذل والهـوان ..

أنـا مًسلم تأبى نفسي الركـوع للأعداء ..

أحيـــا دومــاً بِعــزة الإيمــان ...

هــا هو يا صغيــرى أباك ...

يدفع الضريبـة ..

ضريبـة حبه للأوطــان ..

يدفعهـا لتعيش أجيال قادمة تنعم بالسلام ..

يدفع أباك يا صغيري كُـل غال ورخيص من أجـل دين الله ..

ويــال سَعــادتــه بهـذا البيع .. فهــا هو يربح كُـل يوم ...

اصبر .. يا صغـيري .. اصبر ...

فلابد لليل من زوال ..

ولابد من الشمس من إشراق..

يا بنـي .. ستروي دموعك الأرض الجدباء ..

فتحــيلهــا إلي جـنة خــضراء ..

فتبسم وتبسم أمتك ..

ستكـون دموعك يا صغـيري ..

مـاءَ من نيـران تحـرق بهــا كُـل من ظالم .. كل عدو وجبـان..

يــا صغــيري .. أنتَ أمــل قــادم لنـا ...

أمــل يضئ من اليــوم عزيمة وجهــاد وثبات ..

يا حبيبــبي .. يكفينـي ما سَردت لك مِن قصة هذه الأوطـان ...

أعلم أننـي حَدثتك بأكـبر مما يستوعب عقلكَ ..

ولكــني أثقُ بكَ .. أثق بحبكَ لدعــوتك ..

أثـــق بــأنكَ صغــيرُ كــبيرُ ..

بــأنك مُجـاهدُ المستقـبل ..

بــأنك من سيرفــع الراية فتحرر الأوطـان .

وتـــعـــود الأمجـــاد ..

ويــعـــود الإســـلام .."""


مـا كُدت انتهــي من الكلمـات .. حتى وجدت الصغير يرتمـي في حضنـي ... تساءلت بيني وبين نفسي ::"تُراه حقـاً قد فهم القصة والقضيـة ..؟؟ ""

لســتُ أدري .. ولكني علي ثقـة أن هذا الصغـير ذي الست أو السبع سنين .. لم يعد أبداً صغـيراً ..

بل أصبح بعقـله وقضيته يفـوق بعض الكـبا بِصغــر تفكيرهم وضيقَ أُفقهم ...

ونـــــام الصغـــير ...

ولكــن .. أظنـه هذه المـــرةُ بــأمــانـ ...

.

.

.


قَصــةُ سطــرها قلمــي ...

مقتبسة مـن وحــي واقع وطنـي ..


************************

*************

*****


اليوم (12-2).

ذكـرى استشـهـاد الإمام البنـا ..

لستُ أدري في هذا الأمرِ بالأخص.. لا أستطيعُ الحديث ..

في ذكرى استشهـادك إمامي ..::

سنظـلُ علي الدرب سائرين..

ولدعوةِ الإسلام والإخوان حاملين ..

ثابتـين .. صابرين ... أبداً لن نحيـد ..


وليبقـي الإسلامُ بِعـزة ..

إدراج كُنت قد كتبته العام الماضي ::

ومر أكثر من 50 عاما …. وما زلت إمامنا في الذاكرة …


جزء من شريط البنا إمام الجيل

1- نشيد البنا إمام الجيل

2- نشيد إحنا الإخوان .

3- نشيد عديتي كل الصعاب.

4- نشيد حبك ساكن في القلوب .

5-نشيد لك يا إمامي .

6- الله غايتنا"الشعار" .

7- لعيون الحبيبة_"ليس من الشريط"_


\
/
\
/

فلنجدد العهد والبيعـة ..
ولنخــلص النيـــة ..



هــنــــــــا...

اعتـرافــات مُشارك في اغتيال الإمام البنا


:::::::::::

في ذكراكـَ :::

رحيلُ

و

ميــلاد

.................
....


عذراً للإطالة ..

لا تنسونا من دعائكم...

أختكم..